خلف الحربي |
منذ سنوات ليست بالقليلة لم يعد سعد الشهري من سكان الجنوب، فهو اليوم يعيش في أقصى نقطة شمال هذا العالم.. وتحديدا في السويد حيث مستقره الجديد.. (يعني الألمان يطلعون عنده أهل الجنوب!.. فما بالك بالأخ الفنان حسن عسيري؟!)، والسويد (يا الله من فضلك) من أهم ديمقراطيات العالم وأكثرها تشبثا بمبادئ حقوق الإنسان، كما أنها تعتلي الترتيب العالمي في الحريات الصحافية (أتحدى مليون هاشم الجحدلي يقول لك: المقال ما يمشي شف لنا غيره)!.
أما مكافحة الفساد، يا عيني على مكافحة الفساد!، أصلا لا يوجد فساد كي تتم مكافحته، لذلك يتم البحث عنه في كل الطرقات ونشر صورته في صفحة المفقودين، ويكفي أن تعرفوا أن عمدة استكهولم التي تترأس حزبا بارزا توقفت عند محطة البنزين (ما عندها سواق!) فاكتشفت أنها نسيت محفظتها في البيت وهي في طريقها إلى العمل، فتجرأت وتهورت وخاطرت بمستقبلها السياسي (ومستقبل الحزب اللي جابها) واستخدمت أحد كوبونات تعبئة الوقود الخاصة بمشاويرها الحكومية، ومن يومها قامت الدنيا ولم تقعد في السويد!، رغم أنها أقسمت للصحافيين أنها نسيت المحفظة وخشيت أن تتوقف سيارتها في منتصف الطريق وكادت تقول: (يرضيكم أشحت في الشارع؟!).
وهذه القصة بالذات دفعت إحدى الزميلات لأن تشهق بعفوية قائلة: (يا حليل فسادكم)!، ومعها كل الحق في مقالها الجميل لأن الفساد عندنا لا يصبح فسادا إلا حين يمر بمرحلتين الأولى هي أن (تلهط) مليارا لحظة توقيع العقد، والثانية هي أن ترسي العقد على شركة باسم زوج أختك!.
أما الإجابة على سؤال: كيف استقر سعد الشهري في السويد؟ فهذه مسالة تحتاج روائيا متفرغا لسرد الحكاية المثيرة، لذلك أناشد معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة أن يبتعثني لمدة خمس سنوات إلى السويد كي أكتب هذه الرواية العجيبة، وأعده بأن أكون أول سعودي يحصل على جائزة نوبل، خصوصا أنني سأكون في بلد نوبل نفسها، وسيكون بإمكاني دعوة لجنة التحكيم إلى عشاء (مفاطيح) في بيت سعد الذي يطل على غابات خلابة، وخصص ركنا وسط مساحاته الخضراء ليكون مجلسا سعوديا تقليديا يذكره بالوطن البعيد!.
عموما، يمكن أن أختصر القصة، فأقول إن سعد كان في يوم من الأيام ضحية للبيروقراطية وانعدام فرص العمل أمام الشباب، حيث لم يستطع الحصول على قبول في كليات المعلمين إلا في القنفذة، وكانت هذه المسألة مكلفة له من الناحية المالية لأنه لا يملك أي مصدر للدخل، فأصبحت قضيته في الحياة أن ينتقل إلى كلية المعلمين في أبها فيكون قريبا من عائلته، ولأنه لا يتردد عن تحقيق مراده فقد اقترض خمسمائة ريال قيمة بنزين سيارته المتهالكة وسافر إلى الرياض (كان من الأفضل له لو اقترض كوبونات تعبئة!)، وفي العاصمة بذل كل جهد كي يصل إلى المسؤول السابق كي يشرح له قضيته وقد نجح في ذلك، ولكن هذا المسؤول السابق كتب أسفل معروضه: (حسب التعليمات)!، وبالطبع عبارة (حسب التعليمات) ليس لها وجود في السويد، ولكنها عندنا تعني: (اقضب الباب)!.
ولأن الله يعطي الناس على قدر نياتها، فقد ترك سعد الدراسة وبدأ بتحميل الركاب في مكة المكرمة، وهناك التقى معتمرا سويديا من أصل عربي أعجب بأخلاقه وعرض عليه فرصة دراسية في السويد (حيث يكفل القانون الدراسة للأجانب مجانا)، درس سعد هناك وحصل على فرصة عمل رائعة وتزوج سويدية مسلمة من أصل عربي، وهو اليوم يشعر بالحسرة حين يرى النظام والازدهار الحقيقي يسود كل مجالات الحياة، بدءا من الجامعة مرورا بأجواء العمل وانتهاء بالسوق والحي الذي يسكنه، فهو يتمنى لو كان هذا النمط من حياة الحرية والرفاهية وسيادة الأنظمة والقوانين موجودا في بلده الأصلي، ولو كنت مكان سعد لما شعرت بالحسرة أبدا، بل (لضحيت) لذلك المسؤول السابق كل عام بخروف سويدي أشقر بعيدا عن أنظار جمعيات الرفق بالحيوان!.
في السويد، طبعا، لا يوجد محتسبون مثل الشيخ يوسف الأحمد!.. لأن الحريات الشخصية مسألة مقدسة، ولكن يوجد بها محتسبون من نوع آخر وهم محتسبو البيئة!، ولأن (من عاشر القوم أربعين يوما صار منهم)، فإن سعد أصبح مهتما بالاحتساب البيئي، ويرسل لي بين وقت وآخر رسائل حزينة حول ما يحدث من تدمير للبيئة في السعودية، محذرا من الأخطار القاتلة للتلوث وأضرار انبعاث الغازات من المصانع، ولأنني لا أريد أن أصدم سعد وأذكر له ما حدث من كوارث بيئية في البر والبحر والجو خلال فترة وجوده في السويد، فإنني لا أقول له سوى: (حسب التعليمات)!.
أما مكافحة الفساد، يا عيني على مكافحة الفساد!، أصلا لا يوجد فساد كي تتم مكافحته، لذلك يتم البحث عنه في كل الطرقات ونشر صورته في صفحة المفقودين، ويكفي أن تعرفوا أن عمدة استكهولم التي تترأس حزبا بارزا توقفت عند محطة البنزين (ما عندها سواق!) فاكتشفت أنها نسيت محفظتها في البيت وهي في طريقها إلى العمل، فتجرأت وتهورت وخاطرت بمستقبلها السياسي (ومستقبل الحزب اللي جابها) واستخدمت أحد كوبونات تعبئة الوقود الخاصة بمشاويرها الحكومية، ومن يومها قامت الدنيا ولم تقعد في السويد!، رغم أنها أقسمت للصحافيين أنها نسيت المحفظة وخشيت أن تتوقف سيارتها في منتصف الطريق وكادت تقول: (يرضيكم أشحت في الشارع؟!).
وهذه القصة بالذات دفعت إحدى الزميلات لأن تشهق بعفوية قائلة: (يا حليل فسادكم)!، ومعها كل الحق في مقالها الجميل لأن الفساد عندنا لا يصبح فسادا إلا حين يمر بمرحلتين الأولى هي أن (تلهط) مليارا لحظة توقيع العقد، والثانية هي أن ترسي العقد على شركة باسم زوج أختك!.
أما الإجابة على سؤال: كيف استقر سعد الشهري في السويد؟ فهذه مسالة تحتاج روائيا متفرغا لسرد الحكاية المثيرة، لذلك أناشد معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة أن يبتعثني لمدة خمس سنوات إلى السويد كي أكتب هذه الرواية العجيبة، وأعده بأن أكون أول سعودي يحصل على جائزة نوبل، خصوصا أنني سأكون في بلد نوبل نفسها، وسيكون بإمكاني دعوة لجنة التحكيم إلى عشاء (مفاطيح) في بيت سعد الذي يطل على غابات خلابة، وخصص ركنا وسط مساحاته الخضراء ليكون مجلسا سعوديا تقليديا يذكره بالوطن البعيد!.
عموما، يمكن أن أختصر القصة، فأقول إن سعد كان في يوم من الأيام ضحية للبيروقراطية وانعدام فرص العمل أمام الشباب، حيث لم يستطع الحصول على قبول في كليات المعلمين إلا في القنفذة، وكانت هذه المسألة مكلفة له من الناحية المالية لأنه لا يملك أي مصدر للدخل، فأصبحت قضيته في الحياة أن ينتقل إلى كلية المعلمين في أبها فيكون قريبا من عائلته، ولأنه لا يتردد عن تحقيق مراده فقد اقترض خمسمائة ريال قيمة بنزين سيارته المتهالكة وسافر إلى الرياض (كان من الأفضل له لو اقترض كوبونات تعبئة!)، وفي العاصمة بذل كل جهد كي يصل إلى المسؤول السابق كي يشرح له قضيته وقد نجح في ذلك، ولكن هذا المسؤول السابق كتب أسفل معروضه: (حسب التعليمات)!، وبالطبع عبارة (حسب التعليمات) ليس لها وجود في السويد، ولكنها عندنا تعني: (اقضب الباب)!.
ولأن الله يعطي الناس على قدر نياتها، فقد ترك سعد الدراسة وبدأ بتحميل الركاب في مكة المكرمة، وهناك التقى معتمرا سويديا من أصل عربي أعجب بأخلاقه وعرض عليه فرصة دراسية في السويد (حيث يكفل القانون الدراسة للأجانب مجانا)، درس سعد هناك وحصل على فرصة عمل رائعة وتزوج سويدية مسلمة من أصل عربي، وهو اليوم يشعر بالحسرة حين يرى النظام والازدهار الحقيقي يسود كل مجالات الحياة، بدءا من الجامعة مرورا بأجواء العمل وانتهاء بالسوق والحي الذي يسكنه، فهو يتمنى لو كان هذا النمط من حياة الحرية والرفاهية وسيادة الأنظمة والقوانين موجودا في بلده الأصلي، ولو كنت مكان سعد لما شعرت بالحسرة أبدا، بل (لضحيت) لذلك المسؤول السابق كل عام بخروف سويدي أشقر بعيدا عن أنظار جمعيات الرفق بالحيوان!.
في السويد، طبعا، لا يوجد محتسبون مثل الشيخ يوسف الأحمد!.. لأن الحريات الشخصية مسألة مقدسة، ولكن يوجد بها محتسبون من نوع آخر وهم محتسبو البيئة!، ولأن (من عاشر القوم أربعين يوما صار منهم)، فإن سعد أصبح مهتما بالاحتساب البيئي، ويرسل لي بين وقت وآخر رسائل حزينة حول ما يحدث من تدمير للبيئة في السعودية، محذرا من الأخطار القاتلة للتلوث وأضرار انبعاث الغازات من المصانع، ولأنني لا أريد أن أصدم سعد وأذكر له ما حدث من كوارث بيئية في البر والبحر والجو خلال فترة وجوده في السويد، فإنني لا أقول له سوى: (حسب التعليمات)!.